اكتشاف القمر
كان القمر يسحر القدماء خاصة أنه كان أوضح أجرام السماء وأكبرها باستثناء الشمس التي تساويه بالحجم بالنسبة للمنظر من الأرض. وقد كان واضحا ومثيرا لدرجة أن الفلكيين القدماء بدؤوا برسم خرائط له. وكان مما أثار انتباههم تلك البقع الداكنة التي كانت تنتشر عليه، وقد توقعوا أنها بحار من لونها وأخذوا يسمونها بأسماء من ضمنها "محيط العواصف" و"بحر الأمطار". ولاحظوا أيضا تغير أطواره وأدركوا أنها ناتجة عن دورانه حول الأرض (كانوا يظنون أن جميع الأجرام تدور حول الأرض وليس القمر فقط)، وقد قاموا أيضا بتسمية أطواره. وقد سموا دورة القمر الواحدة بالشهر وكانوا يعرفون الوقت من الشهر بالطور الذي يدخله القمر.
بعض الحضارات قد ظنت أن القمر مرآة تعكس سطح الأرض وبحارها وتضاريسها. ولكن الفلاسفة اليونانيين ومن بعدهم العرب أدركوا أنه مجرد جرم سماوي وأدركوا أيضا أنه معتم ولكن يعكس ضوء الشمس، ولكنهم ظنوا أنه يشبه كوكب الأرض في طبيعته وذلك بشكل أساسي بسبب تلك البقع الداكنة التي ظنوها بحارا ومحيطات. عرف القمر باللغات السامية القديمة ومنها العربية باسم "سنين" ومنه اشتق اسم شبه جزيرة سيناء وجبل صنين في لبنان.
كانت دراسة القمر في البداية محدودة جدا بسبب الآلات البدائية لكن في عام 1609 تغير الحال تماما عند اختراع العالم الفلكي غاليليو غاليلي لأول تلسكوب في تاريخ البشرية. وقد كان القمر هو هدفه التالي بعد أن شاهد كوكب المشتري وأقماره. كان المنظر مختلفا كثيرا عن تصورات القدماء عندما شاهد غاليليو الجبال والفوهات على السطح الميت للقمر. حيث كان وعراً ومليئاً بالمرتفعات والمنخفضات ولا توجد مؤشرات تدل على وجود أية حياة عليه. قام غاليليو بتقدير ارتفاع الجبال على القمر وبدراسة تضاريسه، وقام أيضا برسم خرائط له خلال ثلاثة أسابيع تقريباً امتدت من 30 تشرين الأول (أكتوبر) إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر). واهتم بالبقع الداكنة المنتشرة عليه (البحار كما سماها القدماء)، وقد قام بالعديد من الدراسات على القمر وفحص تضاريسه وتوصل إلى أنها تتألف من أودية وسهول وجبال فقط. ولاحظ أن الأماكن الألمع من سطح القمر وعرة والجبال والأودية منتشرة فيها بينما المناطق الداكنة هي سهول منبسطة. وقد كان هو أول من كتب وصفا علميا للقمر وخصائصه. ولكنه لم يلبث أن حول اهتمامه إلى الشمس تاركا القمر للعلماء القادمين.
أما عن الاستكشافات الأولى فبعد إطلاق الروس "سبوتنك-1"، أول قمر صناعي في تاريخ البشرية، بدؤوا يوجهون أنظارهم نحو الأجرام السماوية وعلى رأسها القمر. وفي عام 1959 وفي شهر شباط (فبراير) أطلق الروس مركبة الفضاء "لونا 1" التي كان من المفترض أن تهبط على القمر، لكنها فشلت في مهمتها وتحطمت، فقام الروس مرة أخرى في شهر أيلول (سبتمبر) يوم 12 من نفس العام بإطلاق المركبة الفضائية "لونا 2" (أو لونيك 2) إلى القمر وكانت تلك أول رحلة هبوط على جرم سماوي غير الأرض.
وفي اليوم التالي (13 أيلول) وفي الساعة العاشرة ودقيقتين و 23 ثانية بدقة وصلت مركبة لونا 2 إلى القمر وهبطت على سطحه، ومن ضمن ما اُكتشف بواسطة هذه المركبة أن القمر لا يملك حقلا مغناطيسيا أو حزاما إشعاعيا مثل حزام فان آلن الإشعاعي حول الأرض. وفي اليوم الرابع من الشهر التالي (تشرين الأول أو أكتوبر) قام الروس بإطلاق المركبة "لونا 3" التي التقطت الصور الأولى للجانب البعيد من القمر المتعذرة رؤيته من الأرض. وفي أوائل سنة 1962 قرر الأمريكيون الدخول في سباق الوصول إلى القمر وأرسلوا المركبة "رينجر 3" لالتقاط بعض الصور من مدار القمر، لكنها أصيبت بأعطال وفشلت بمهمتها، فأرسلوا في يوم 23 من شهر نيسان (أبريل) من نفس العام مركبة "رينجر 4"، والتي هبطت على الجانب المظلم من القمر وكانت أول مهمة ناجحة للولايات المتحدة للهبوط على القمر وتوالت بعدها المسابير من كلا الطرفين.
أما عن رحلات الولايات المتحدة فقد بدأ الاستكشاف الأمريكي للقمر بالرحلات الروبوتية التي هدفت إلى تطوير فهم سطح القمر للقيام في النهاية بهبوط بشريّ عليه: فقد قام برنامج سيرفيور لمختبر الدفع النفاث بإنزال مركبته الأولى بعد أربعة شهور من إنزال المركبة السوفييتية لونا 9. وقد تطور برنامج أبولو التابع لناسا بالتوازي مع ذلك البرنامج: فبعد سلسلة من التجارب البشرية وغير البشرية لمراكب أبولو في مدار الأرض، وفي عام 1968 قام برنامج أبولو بأول رحلة إلى مدار القمر. وفي عام 1969 حدث الهبوط الأول ذائع الصيت للبشر على القمر، والذي يَعتبره الكثيرون أوج سباق الفضاء. وأصبح نيل أرمسترونغ هو أول شخص يَخطو على القمر، فقد كان هو قائد رحلة أبولو 11 الأمريكية وكان هو أول من تطؤ قدمه القمر في الساعة 2:56 بالتوقيت العالمي يوم 21 يوليو/تموز عام 1969. عادت رحلات أبولو من 11 إلى 17 (باستثناء أبولو 13 التي فشلت في هبوطها المُخطط له على سطح القمر) بثلاثمائة واثنان وثمانون كيلوغراماً من التربة والصخور القمرية، قُسّمت إلى 2,196 عينة منفصلة. كان ما قد أتاح الهبوط الأمريكيّ على القمر والعودة منه هو دراسات تقنية جديرة بالاعتبار أنجزت خلال أوائل الستينيات، وذلك في مجالات تتضمن الكيمياء وهندسة البرمجيات وتقنيات إعادة دخول الغلاف الجوي.
أنزلت خلال رحلات أبولو حزم كبيرة من المعدات العلمية على سطح القمر. وذلك في محطات المعدات طويلة الأمد التي تضمنت مجسات لقياس تدفق الحرارة ومقاييس للزلازل والمغناطيسية أنزلت مع مراكب أبولو 12 و14 و15 و16 و17 في مواقع هبوطها. وقد انتهى الإرسال المباشر للمعلومات من هذه الأجهزة إلى الأرض في أواخر عام 1977 بسبب التكاليف المالية، لكن بما أن مصفوفات إعادة-العكس الخاصة بالليدار القمري للمحطة هي أدوات طويلة الأمد، فهي ما زالت تستخدم. يَتم الاتصال مع هذه المحطات من المحطات الأرضية عبر هذه الأداة بشكل روتيني وبدقة تبلغ بضعة سنتيمترات فقط، والمعلومات المُستمدة من هذه التجارب لا زالت تستخدم لتقدير حجم نواة القمر.
أما عن الاستكشافات منذ سنة 1990 إلى الآن فقد انخرطت العديد من الدول في برنامج الاستكشاف المباشر للقمر، فأرسلت اليابان سنة 1990 المركبة الفضائية هايتن ووضع في مدار قمري، وبذلك أصبحت اليابان ثالث دولة تنجح في وضع مركبة ضمن مدار القمر. وقد أطلقت المركبة مسبار أصغر يدعى هاغرومو ضمن المدار القمري، لكن الاتصال مع الأرض أخفق. أُطلق سنة 1994 المسبار كليمنتاين من قبل ناسا وبالتعاون مع وزراة الدفاع الأمريكية. إستطاعت هذه المهمة بتحقيق أول تخطيط طبوغرافي قريب لسطح القمر، إضافة إلى النجاح في تحقيق أول صورة متعددة الطيف للقمر. تبعت هذه المهمة بمهمة لونار بروسبكتر سنة 1998 واستطاعت الأجهزة الملحقة بهذا المسبار من اكتشاف كميات من الهيدروجين في المنطقة القطبية، والذي يرجح أن يكون ناتج عن وجود جليد الماء في الأمتار الأولى من طبقة الحطام الصخري في منطقة الحفر ذات الظلام الدائم.
قامت وكالة الفضاء الأوروبية بإرسال المسبار سمارت وهو ثاني مسبار ذو محرك أيوني. تموضع في مدار القمر منذ 15 نوفمبر 2004 حتى اصطدامه بالقمر في 3 سبتمبر 2006. وقدم أول دراسة كيميائية عن تركيب عناصر القمر. كما قامت الصين بتأسيس برنامج استكشاف القمر الصيني وقد نجحت في وضع أول مسبار ضمن مدار القمر وهو شونغ'ء-1 في 5 نوفمبر 2007 وقد انتهت مهمته في 1 مارس 2008 عند اصطدامه بالقمر. وقد حصل خلال مهمته على صور كاملة لتخطيط سطح القمر. وضعت منظمة بحوث الفضاء اليابانية ما بين 4 أكتوبر 2007 و 10 يونيو 2009 المسبار سيلين في مدار القمر. وهذا المسبار كان مزود بآلة تصوير فيديوية عالية الدقة، بالإضافة إلى قمرين صناعيين صغيرين لإرسال الإشارات الراديوية. ليحصل هذا المسبار على بيانات جيوفيزيائية، وأخذ أول صور متحركة عالية الدقة لسطح القمر. أما أول مهمة لمنظمة بحوث الفضاء الهندية فكانت شاندرايان 1 والذي تموضع في مداره حول القمر في 8 نوفمبر 2008 حتى فقد الاتصال به في 27 أغسطس 2009، ليحصل على صور عالية الدقة لتضاريس القمر ودراسة معدنية التربة وكيميائيتها، كما تم التأكد بواسطته من وجود جزيئات الماء في التربة القمرية. ومن المقرر أن ترسل منظمة بحوث الفضاء الهندية المسبار شاندرايان 2 في سنة 2013 وسيضم هذا المسبار مع عربة فضائية روسية.