على
مدى قرون طويلة كان يُشار إلى حالات طبيعية يمر بها بعض البشر على أنها
ظواهر واضحة من ما وراء الطبيعة، ولعل أكثر تلك الحالات المحيرة والغامضة
هي حالة الصرع وبالتحديد نوع من نوبات الصرع تسمى صرع الفص الصدغي التي
يرمز لها إختصاراً بـ TLE ، وينبغي على كل محقق في الظواهر الغامضة أن يدرك
تلك الحالة لكي يفهم ما يمكن أن تفعله من أعراض مثيرة جداً. وقبل أن
نتناول تلك الحالة لا بد من فهم حالة الصرع وتاريخها ودور المعتقدات في
تفسيرها.
ما هو الصرع ؟ما
نعرفه عن الصرع Epilepsy أو الإضطراب التشنجي أنه اضطراب في الدماغ يدوم
عادة لفترة زمنية قصيرة يحدث خلالها تغيرات كهربائية مفاجئة في المخ تسبب
بدورها تشنجات يفقد معها الجسم السيطرة على نفسه . ويعتقد أن الإغريق هم
أول من وثق هذه الحالة حيث يعود أصل كلمة الصرع Epilepsy إلى كلمة
Epilepsia (إبلبسيا) الإغريقية ، والتي تعني "الشد" أو "الإمساك" ، وكان
أول تدوين لهذه الحالة في كتاب " المرض المقدس " لـ أبوقراط في القرن
الخامس ما قبل الميلاد.
دور المعتقدات من القوى الخفية والأرواح الشريرة الصرع
مرض قديم معروف عبر التاريخ وبسبب أعراضه السريرية المختلفة و " غير
العادية " و " العنيفة والمخيفة " في بعض الأحيان أعطى القدماء للصرع
تعليلات عديدة "ما روائية" أو " فوق طبيعية " تثير الخوف من هذا الداء و
النفور من المصابين به.
فمن جهة ذهب اليونانيون لاعتباره
من صنع قوى خارقة إلهية، و أطلقوا عليه اسم المرض المقدس أو الإلهي. فكان
مريض الصرع يعالج معالجة خاصة، إذ يؤخذ للمعبد فيغسل و يدهن بالعطور و
الزيوت و يؤمر بالصيام، و أداء طقوس خاصة و تقديم القرابين للآلهة الناقمة
لكي تصفح عنه (كما كان يتم في معبد اسكوليبوس). وبنفس المنحنى اعتقد اليهود
أن عدداً من الأمراض، و من ضمنها الصرع والجنون، ما هي إلا عقاب للمذنبين،
و بالتالي كان على المريض أن يكفر عن آثامه و يطلب التوبة سعيًا للشفاء.
من جهة أخرى اعتقد آخرون أن
المسبب للصرع هي قوى شريرة تسيطر على المريض و تلغي إرادته، و بالتالي
يتمثل العلاج في مساعدته على التخلص من هذه القوى و طردها من داخله فهنود
قبائل الأنكا مثلاً كانوا يقومون بإحداث ثقوب في جمجمة المريض بهدف إخراج
الشياطين و الأرواح الشريرة منها.
مرض العظماء كان
يعاني من داء الصرع الملوك والنبلاء حتى أطلقوا عليه قديماً " مرض العظماء
"، فالقائد الشهير الإسكندر الأكبر واحد من أشهر المصابين بالصرع عبر
التاريخ و يوليوس قيصر أحد أكثر الرجال نفوذًا في التاريخ كان أيضاً من
المصابين بمرض الصرع، و كذلك القائد القرطاجي الشهير هانيبال.
الملك ألفريد الأكبر الذي مهد
للوحدة الإنجليزية، و الذي تصدى لهجمات قبائل " الفايكينج " المتتابعة على
شمال أوروبا كان أيضًا مصابًا بالصرع، و رغم ذلك لم ينقذ بريطانيا من
الإبادة سوى عبقريته و القائمة تطول.
ومن الأدباء والمفكرين نذكر الفرنسي موليير رائد الفكر الغربي ، والإيطالي دانتي صاحب " الكوميديا الإلهية " ، والأمريكي
رائد أدب الرعب، والإنجليزي ولتر سكوت و جوناثان سويفت صاحب رواية "رحلات
جاليفر " الشهيرة . ولويس كارول صاحب " أليس في بلاد العجائب " ، والروائي
الفيكتوري الكبير تشارلز ديكنز و وثلاثة من أعظم شعراء الإنجليز وهم لورد
بايرون وبيرسي شيلي وألفرد لورد تنيسون. والروائي الروسي دستوفسكي . ومن
المشاهير أيضاً الفنان الهولندي فنسنت فان غوخ .
ما نعلمه عن الصرع أنه يشمل
زيادات مكثفة من النشاط الكهربائي في مناطق مختلفة من الدماغ وهي مناطق
مسؤولة عن شعورنا بأجسادنا وعن التحكم بوظائفها إضافة إلى أنها بيت
لذكرياتنا وأحاسيسنا . يقول د. ديفيد بير أخصائي الطب النفسي أن النشاط
الغير عادي للدماغ الملاحظ في صرع الفص الصدغي TLE يمكن له أن يلعب دوراً
في التفكير الإبداعي وصناعة الفنون عبر توحيد الحس والبصيرة والحرص
الإنتقادي المؤدى ببراعة.
تطور فهم المرضورد
ذكر الصرع في النصوص الإغريقية القديمة و في الإنجيل ، لكن لابد أن نذكر
أن عدداً من الأطباء القدماء، بدءًا من أبوقراط و وصولاً لأعلام الطب
الإسلامي، كابن سينا و الرازي قابلوا هذه التفسيرات غير الطبيعية للصرع
بتفسيرات علمية من حيث المبدأ، أي على أنها حالات تنجم عن اضطراب دماغ
الإنسان و عقله، و بالتالي توجهوا في علاجهم نحو "تهدئة الدماغ و تطمين
العقل" بل و " زرع الثقة في نفس المريض " ، ولكن حتى هؤلاء بقوا يضعون
الصرع في نفس مجموعة الأمراض العقلية المعروفة بالجنون، مثلهم في ذلك مثل
بقية الأطباء في ذلك الوقت، و لذلك بقي الجنون أحد المعاني المتداولة
للصرع.
في الصورة يظهر طبيبان يقومان
بعلاج مريض بالصرع (القرن الثاني عشر) حيث كان العلاج المعروف في ذلك الحين
هو الكي أو التربنة (فتح الجمجمة)، و هما العلاجان اللذان يتلقاهما المريض
في هذه الصورة.
و لم تكن هناك دراسات جادة إلا في
أواسط التاسع عشر، إذ كان السير تشارلز لوكوك أول من أوجد المسكنات التي
ساعدت على التحكم بالنوبات في عام 1857.
و في عام 1870 قام جون جاكسون
بتحديد الطبقة الخارجية للمخ، أي القشرة المخية، و عرّفها بأنها ذلك الجزء
المعني بالصرع. و أوضح هانز برجز في عام 1929 بأن هناك إمكانية لتسجيل
نبضات المخ البشري الكهربائية، فيما يعرف برسم المخ الكهربي EEG.
وفي وقتنا الحاضر، نجد أن الأبحاث
الطبية قد تقدمت فيما يتعلق بتشخيص و علاج مرض الصرع تقدمًا ملحوظًا، حيث
تم تسجيل نوبات الصرع و النوبات الأخرى على أشرطة الفيديو، و ذلك باستخدام
الدوائر التلفزيونية المغلقة، و تسجيل تخطيط المخ الكهربائي عن طريق
الأجهزة، مما أدى إلى تفهم الأنواع المختلفة من النوبات تفهماً عميقاً.
أنواع النوبات والأمراضهناك
أكثر من 40 نوع مختلف من أمراض الصرع لكن منها أطوار مميزة ثابتة في
النوبات يبلغ عددها 3 (جزئية بسيطة، جزئية مركبة ، شاملة) قد لا تكون
متواجدة جميعاً في نفس المرض ، تصنف هذه الأطوار (نوبات الصرع) كنوبات
جزئية أو شاملة من خلال منشأ فعالية النوبة وأعراضها السريرية المتعلقة بها
كما يلي :
1- النوبة الجزئية البسيطةتتحرك فيها عضلات المريض لا إرادياً ، وهي حالة حسية-جسدية واضحة بدون ضعف في الوعي.
2- نوبات جزئية مركبةيكون وعي المريض ضعيفاً سواء مع حدوث أعراض النوبة الجزئية البسيطة أو عدم حدوثها.
3- النوبة الشاملةيفقد
المريض خلالها وعيه ببشكل كامل مع سلوك متشنج أو غير متشنج ولها أنواع وهي
نوبة التوتر والإرتجاف المتناوبة Tonic-Clonic ونوبة الإرتجاف Myoclonic
ونوبة الوهن Atonic ، ونوبة الغياب Absense.
- ويمكن للنوبة الجزئية البسيطة أن تتطور إلى نوبة جزئية مركبة كما يمكن
أيضاً للنوبة الجزئية المركبة أن تتطور بدورها إلى نوبة شاملة .
- تؤثر النوبات على مختلف الاعمار ، وتعرف معظم حالات الصرع في مرحلة الطفولة . ويكون عدد من أنواع النوبات مرتبط تحديداً بالأطفال.
وفيما يلي نذكر 8 من أهم أمراض الصرع :
1- نوبة توتر-ارتجاف الشاملة ( النوبة الكبرى ) أ- يمكن أن يسبقها حالة شعورية نسميها النسمة أو aura مثل شعور بالغرابة أو الدوخة ثم يليها بداية نوبة مفاجئة مع فقدان للوعي.
ب- تقلص واضح في العضلات في طور التوتر tonic phase يثبت الفك والأيادي ، والاعين مفتوحة وحدقاتها واسعة وتدوم من 30 إلى 60 ثانية.
ج- تناوب من الانقباض والارتخاء
في كل العضلات يحدث في طور الإرتجاف clonic phase مع سلس البول و زبد من
الشفاه وقد يؤدي إلى عض اللسان أو الخدود ويدوم لعدة دقائق.
د- نوم أو حالة دوار تمتد لعدة ساعات.
2- نوبة الغياب ( النوبة الصغرى) أ - فقدان التواصل مع المحيط يدوم من 5 إلى 30 ثانية.
ب- يبدو كأنه حلم يقظة أو تتحرك العينين فيه ، مع إيماءات من الرأس وتحريك الأيدي أو ضرب الشفاه.
ج - العودة إلى النشاط الطبيعي وعدم الوعي بما حدث خلال النوبة.
3- نوبة الإرتجاف (التشنج الطفولي) Myoclonicأ- يشاهد هذا النوع عند الأطفال والرضع ويرجع سببه إلى مرض دماغي يترافق غالباً مع تخلف عقلي.
ب- تختفي عادة في سن 4 ولكن قد يتطور إلى أنواع أخرى من النوبات.
ج - تقلصات مفاجئة وقوية للعضلات عند جذع الرقبة وعند نهايات الأطراف.
د - النمط المسترخي : يباعد الرضيع برأسه وذراعيه للخارج ويحني جسمه للخلف كأنه في وضعية " نسر يفرد جناحيه " .
هـ - يمكن أن يحدث مزيج من النمطين المسترخي والقابض بشكل متناوب أو على شكل دفعات.
و - يمكن لهذا النوع أن يجعل الطفل يوقع أو يرمي شيئاً .
ز - يمكن للرضيع أن يصرخ أو ينخر أو يكشر أو يضحك أو يبدو مرعوباً كأنه تعرض لهجوم.
4- نوبة الحركة الجزئية (المركزة ) أ - تقلص منتظم (له إيقاع) في مجموعة من العضلات ويكون مركزاً عادة في اليد والوجه.
ب- قد ينتشر ليشمل الطرف بكامله أو نهايته والوجه على نفس الجانب ويعرف ذلك بنوبة جاكسونيان.
5- النوبة الحسية الجزئية (المركزة)أ - خدر أو تنميل في جزء محدد من الجسم .
ب- يمكن أن يشمل أيضاً حاسة البصر أو التذوق أو السمع أو الشم أو تتغير الأشياء التي يراها أو يسمعها أو يشّمها أو يشعر بها.
6- نوبة الفص الصدغي الجزئية TLEأ- قد تكون حالة إزعاج في البطن أو رائحة سيئة أو تذوق سيئ.
ب- حدوث هلاوس سمعية وبصرية ، أو إحساس بالديجافو أو إحساس بالخوف والقلق.
ج- قد تحدث حركات متكررة لا هدف لها (أو تلقائية) مثل توجيه الأيادي نحو الثياب أو صفع الشفاه أو المضغ أو التكشير.
د- تدوم من ثوان إلى عدد من الدقائق.
7- النوبة الجزئية المركبة تبدأ كنوبة جزئية ومن ثم تتطور إلى ضعف في الوعي .
8- النوبة الحُميّة أ- هي عبارة عن نوبة توتر-إرتجاف tonic-clonic شاملة تترافق مع حمى وتصل درجة الحرارة إلى أكثر من 38.7 درجة مئوية.
ب- تحدث لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
ج- تقتصر المعالجة على التخفيض من درجة الحرارة ومعالجة منشأ الحمى والتحكم بالنوبة.
د- ما زال العلاج الطويل الأمد لوقف النوبات المتكررة المترافقة بالحمى مثيراً للجدل.
صرع الفص الصدغي TLEعُرف
صرع الفص الصدغي TLE في عام 1985 من قبل الإتحاد الدولي ضد الصرع ILAE على
أنه حالة تتميز بنوبات متكررة تنشأ بشكل غير مفهوم عن جزئين في الدماغ هما
الفص الصدغي وقاع البطين Hippocampus الذي يشبه فرس البحر، كما هو موضح في
الصورة.
يكون قاع البطين مسؤولاً عن
عمليات التعلم والذاكرة بينما مناطق الفص الصدغي الموجودة أعلى الأذنين
والممتدة حتى خلف الرأس تكون مسؤولة عن الذكريات والتذكر والعواطف ولها دور
أيضاً في عملية النطق والسماع والإدراك (أي كيف نرى العالم من حولنا).
صعوبة التشخيص يعتبر
الفص الصدغي من أكثر المناطق المسببة للصرع في الدماغ وربما يساء تشخيص
حالة المصابين أو حتى لا يتم تشخيصهم به لسنوات ، إذ لا وجود لأعراض
فيزيولوجية مثل نوبات التوتر-الإرتجاف الشاملة ، والأعراض قد تشبه إلى حد
كبير أعراض مرض الفصام الذهني Schizophrenia.
ما هو مثير للإهتمام بالنسبة
للدراسين لأمور ما وراء الطبيعة هو أن يساهم الفهم البسيط لصرع الفص الصدغي
في مساعدتهم على إستبعاد العلاقة بين العقل والدماغ التي تكون حاضرة حينما
يعايش المصاب ما قد يفترضون أنه " ظاهرة مجهولة خارجية " تحدث على نحو
منتظم.
لا زال الصرع حالة غير مفهومة على
وجه العموم ، ويفترض دائماً أن الإشارة الوحيدة على هذا الإضطراب هو
السقوط على الأرض وتضارب الاطراف وهي أعراض نموذجية نراها في نوبة
التوتر-الإرتجاف الشاملة في حين لا يتضمن صرع الفص الصدغي باالضرورة أعراض
ظاهرة للمشاهد باستثناء الحالة التي يتحول فيها إلى نوبة شاملة لذلك يصعب
تشخيصه.
وحتى يومنا هذا ما زالت ترتكب
أخطاء في تشخيص صرع الفص الصدغي فيعتبر ذهان (إختلال عقلي) أو فصام ذهني
Schizophrenia أو صداع نصفي (شقيقة) Bi-Polar ولكل من الأمراض المذكورة
درجات متنوعة من أعراض مشابهة للصرع .
ولسوء حظ الذين أسيء تشخيصهم
سيؤدي إعطائهم لأدوية تعالج الحالات النفسية بدلاً من معالجة تشنجات الصرع
إلى التقليل من عتبة حدوث الصرع لديهم مما يزيد في معاناتهم ، حيث تصبح
التشنجات أكثر حدوثاً .
البداية والوسط والنهاية كما
ذكر آنفاً يوجد 3 أطوار مميزة للنوبة لا تكون حاضرة في كل الحالات وهو طور
التنبيه المعروف باسم Aura النسمة وما يطلق عليه " نوبة جزئية بسيطة" ،
ويؤثر فقط على جزء بسيطة من الدماغ ومع أنه كاف للتسبب بأعراض إلا أنه ليس
كافياً لتعطيل الوعي وهو يحدث في 80% من نوبات صرع الفص الصدغي TLE
التحفيزات الغير طبيعية قد تتوقف
هنا في أشد النوبة إلا إذا تحولت إلى نوبة جزئية مركبة التي تقود بدورها
إلى تشنجات تشمل الدماغ بكامله. وهذا يشمل فقدان التركيز والذاكرة لأن
عاصفة كهربائية سوف تنتشر في كلا الفصين الصدغيين والمناطق التي تتحكم
بالذاكرة والوعي حتى لو دامت فقط لعدة ثواني، عندما يتبع التشنج نوبة جزئية
(بسيطة أو مركبة ) فإنه قد يؤدي إلى فقدان القدرة على النطق aphasia
وفقدان الذاكرة والشعور بالإزعاج والصداع والتعب .
يوجد دليل أيضاً على تحول في صفات
الشخصية يحدث في الفترات التي تتخلل بين النوبات ، مثل ما حدث للفنان
فنسنت فان غوخ و دوستفسكي وتينسون حتى أن هذه الحالة تعرف بمتلازمة
دوستفسكي أو غيشويند حيث كان ( نورمان غيشويند ) أول من حدد هذا التحول في
الشخصية في صرع الفص الصدغي TLE ولاحظ إنشغالاً مضخماً فأفكار دينية
وفلسفية من شأنها أن تقدح التفكير المبدع كالكتابة والرسم فتكون حافزاً لا
يقاوم للإبداع يعرف باسم هايبرغرافيا hypergraphia .
قد تكون آثار النوبات الجزئية
معتمدة على منطقة فعالة من الدماغ دون سواها ـ على سيبل المثال: قد ينتج عن
حدوث نوبة جزئية في مناطق الإدراك الحسي تجربة حسية معينة كـ هلوسة شمية
أو موسيقية أو ومضات ضوئية ، ولكن إن حدثت في المناطق المسؤولة عن التحكم
بالحركة Motor Cortex فإن النوبة الجزئية قد تسبب حركة في مجموعة محددة من
العضلات مما ينتج عنه حركات لا إرادية مثل الكز على الأسنان أو نتف الثياب .
قد تداهم نوبة الصرع بضعة ذكريات
مفاجئة ورؤى وسماع أصوات ، شعور متزايد بالقلق أو المرح ، وفي بعض الأحيان
يكون له طابعاً دينياً . وقد يتخللق ذلك لحظات مزعجة من الحركات اللاإرادية
ونذكر على سبيل المثال حالة فنسنت فان غوخ الذي قطع جزء من أذنه بينما كان
يعاني من نوبة جزئية مركبة ، وهو أمر لم يكن واعياً له خلال حدوثه.
خطأ النظرة الإجتماعية كان
الاعتقاد السائد لدى الناس في القدم بأن النوبة تنشأ عن الجن و مس الأرواح
الشريرة، في الواقع مرض الصرع كغيره من الأمراض لأن له أسباب عضوية ، ولا
علاقة له بالقوى الخفية بقدر علاقته بالجسم و ما يحدث فيه من تغيرات، و
تحديدًا التغير في كهربية المخ و إنتظام الإشارات العصبية ، ومن الجدير
بالذكر أن الصرع لا يحدث نتيجة لتصرّف أَو فعْل سيئ من الإنسان أو نتيجة
لتصّرف حدث في الماضي.
ويمكننا القول أن حياة المريض
تنقلب رأسًا علي عقب، ليس بسبب المرض لكن بسبب نظرة المجتمع و الناس، التي
يكتنفها كثير من الجهل، و تحوطها الخرافة.
و بسبب الفهم الخاطئ لحالة الصرع و
الأسباب المؤدية له يعاني الأشخاص المصابون بالصرع من العزلة الاجتماعية
فالمجتمع ينظر إلى مرضى القلب و الربو و الأمراض المزمنة الآخرى بالرأفة و
العطف و الاستعداد للمساعدة، و لكنه ينظر للمصابين بالصرع بالريبة و الشك
والخوف فيتجنبهم و يجعلهم في عزلة عنه.
ونتيجة لتلك النظرة يضطر المصاب
بالصرع أو أقاربه الابقاء على حالته سرًا و في طي الكتمان قدر الامكان
تجنبا لتلك النظرة الاجتماعية الخاطئة. هذا بالاضافة إلى انتشار الفكرة
الخاطئة عن الصرع بأنه شديد الأثر على المصاب و أنه قد يؤدي للوفاة إلا أن
واقع الأمر أن الصرع مثله مثل باقي الأمراض الجسدية الأخرى فمنه الخفيف و
المتوسط و القليل منه الشديد و مع تطور الطب بدأ العلماء التعرف على جوانب
كانت مجهولة في وظائف المخ و كيفية حدوث الصرع و ما زالت هناك جوانب أخرى
يجهلها الانسان.
تسمية " الصرع " وتأثيرها على المريض وعائلتهاشتقت
كلمة الصرع من مادة "ص ر ع"، و حسب القاموس المحيط فإن الصَّرْعُ، ويكسرُ،
هو الطَّرْحُ على الأرْضِ، و لأن أعراض الصرع العام الذي كانت تعرفه العرب
تشتمل علي الطرح أرضًا من شدة التشنجات، فقد اشتق اسم الداء منها.
وربما كانت تسمية الصرع بهذا
الاسم أحد الأسباب التي جعلت منه كابوسًا على المرضى، فوقع الاسم
واشتقاقاته اللغوية كلها تعني الإذلال أو الوقوع أو فقدان السيطرة، و من
هنا ينادي بعض الأطباء بتغيير هذا الاسم لاسم آخر، يعبر عن الحالة و في
الوقت ذاته لا يجرح مشاعر المرضى أو يستثير مخاوف من حولهم، و لعل أحد هذه
المحاولات ما نعرفه جميعًا من إجابة الطبيب بأن المريض " مصاب بزيادة في
كهرباء المخ " بدلاً من إن يقول إنه " مصاب بالصرع ".
أسئلة شائعة عن الصرع 1- هل الصرع إختلال عقلي؟
لا ، الصرع والتخلف العقلي حالتين مختلفتين ولكن قد تؤدي أحياناً إصابة قوية في في دماغ إلى حدوث كلا الحالتين.
2- ما هي أسباب الصرع ؟
لا
يوجد سبب واضح لحدوث الصرع ، ولكن قد يكون أحياناً ناجماً عن إصابة شديدة
في الرأس في الكبر أو حمى شديدة في الصغر ، كذلك فإن تعاطي المخدّرات أو
إدمان الخمر يمكن أن يكون له صلة بحدوث نوبات الصرع ، وقد يؤدي الإجهاد إلى
حدوث حالات تشنّج عند بعض الناس وليس في كل الحالات ، وغالباً ما يؤدي عدم
تناول الأدوية التي تعالج الصرع بانتظام إلى حدوث تشنجات. وقد يسبب
أحياناً التعرض المفرط للأضواء البراقة والحرارة تشنجات.
قد يكون للصرع سبباً وراثياً إذ
يظهر باحتمال 20% في الأولاد إن كان أحد الوالدين مصاباً به في وقت من
حياته ، ويظهر بنسبة 5% عند الأولاد إذا حدث لأحد الوالدين حالة صرع ناجمة
عن أذية في الرأس، لكنه في أغلب الأحيان يحدث بدون حدوث حالة مماثلة في
العائلة.
3- هل الأشخاص الذين يعانون من الصرع أكثر انفعالية من الآخرين ؟
لا ، لكن الحياة قد تكون صعبة عليهم والأشياء التي حدثت لهم قد تجعلهم أكثر إنفعالاً.
4- هل من الأفضل أن يبقى الأشخاص المصابون بالصرع في المنزل وأن يلتزموا الهدوء ؟
لا ، يجب أن يخرجوا إلى معترك الحياة، الشخص النشط والذي يعمل قد لا تحدث عنده حالة تشنّج.
5- هل للصرع فئة عمرية محددة ؟
لا
، لكن غالباً ما يصيب الأطفال، أو كبار السن فوق الخامسة و الستين، لكن
هذا لا يعني أنه مقصور علي هذه الفئات، فأي شخص في أي مرحلة عمرية معرض
للإصابة بالصرع.
6- هل تؤثر التشنّجات على الدماغ ؟ وهل يمكن أن تسبب الوفاة ؟
أغلب
التشنّجات لا تؤثر على الدماغ إلا إذا استمرت لمدة طويلة، وحالة الوفاة
نادرة الحدوث وتكون ناجمة عن الأخطار أو الحوادث التي تقع لحظة حدوث النوبة
في وقت غير متوقع فيه حدوثها وفي وضع شديد الخطورة.
7- هل يوجد دواء ناجع للشفاء من الصرع ؟
لا
، ولكن الأدوية توقف التشنجات أو تخمدها إذا تناولها المريض بانتظام وحسب
إرشادات الطبيب ، وبعض الناس قد يعالج بغذاء خاص أو جراحة مخ إذا لم ينجح
الدواء في السيطرة على الصرع. وهذه الأدوية المهدئة و التي تصنف كأدوية
"سيطرة" على الأعراض، تحقق نجاحًا كبيرًا، و ربما تصل بالمريض إلى مستوى
يقترب من الشفاء الكامل.
8- كم هي النسبة التي تعاني من الصرع ؟
حوالي 1% من سكان العالم أو حوالي 50 مليون نسمة .
الامور الواجب اتباعها عند حدوث حالة تشنج للمصاب1- كن هادئاً و حاول تهدئة الآخرين.
2- ضع شيئاً ليّناً و مستويٍ تحت رأسه.
3- يجب إبعاد الأشياء التي قد تصطدم برأسه.
4- إذا كان يلبس ربطة عنق أو طوق حاول أن ترخيها وتفسخها.
5- ضع المريض على جنبه حتى يخرج العاب و لا يسبب له اختناق في التنفس .
6- لا تضع أي شيء في فمه .
7- لا تحاول أن تدفع لسانه بملعقة أو أي أداة أخرى إذا هو ليس معرضاً لخطر ابتلاع لسانه.
8- لا تحاول أن ترمي على وجهه ماءً أو تعطيه ماءً ليشرب.
9- أبق معه حتى يستعيد و عيه و ينتظم تنفسه.
10- أعرض عليه المساعدة لإيصاله لمنزله إذا كان لا يستطيع التوصّل إليه. بعض الأشخاص يصبحون غير مدركين بمن حولهم بعد حالة التشنّج.
11- اتصل بالإسعاف بسرعة إن لم تتحسن حالته أو غاب عن الوعي ، فالتشنجات عادة تدوم لعدة ثوان.
تعقيب هاملطالما
أسيء التعامل مع مرضى الصرع عن جهل وتحت تأثير المعتقد الديني والموروث
الشعبي بدعوى أنهم ممسون من الجن أو الأرواح الشريرة فتعرضوا للأذى الجسدي
لإخراجها منهم ولممارسات أخرى زادت في معاناتهم فأضافت إليهم أزمات نفسية
كانوا في غنى عنها ونذكر هنا ممارسات طرد الأرواح
عبر التاريخ ، تلك الممارسات التي ما زالت منتشرة لحد الآن في كثير من
شرائح المجتمع الإسلامي بوجه خاص، هي ممارسات تتم بجهل تام لحالة المريض
وعلى يد من يدعي العلاج الروحاني (يسمونهم الشيوخ ) ومهما اختلفت الوسائل
فالأجدى بأهل المريض التوجه أولاً إلى عيادة الطبيب وإجراء الفحوص اللازمة
ومنها تخطيط الدماغ EEG لتشخيص الحالة ، وكلما اكتشفت الحالة بشكل مبكر
كلما تزايدت إحتمالات الشفاء التام من خلال الأدوية التي تخفف إلى حد كبير
من حدوث تشنجات الصرع إضافة إلى دورها في تنظيم كهرباء المخ. من المؤكد أن
الدعاء لله والإيمان يساعد لكنه في نفس الوقت لا يتعارض مع اتخاذ كل
الوسائل الممكنة التي برهن علم طب الأعصاب على نجاعتها في المختبرات.